تخيل هذا المشهد: عام 2010، يجلس مبرمج شاب يُدعى لاسزلو هانيتش أمام شاشة كمبيوتره، وهو يرسل رسالة تُثير الدهشة : "أنا على استعداد لدفع 10 آلاف بيتكوين مقابل بيتزا!". كانت تلك اللحظة، التي يحتفل بها العالم كل عام في 22 مايو كـ"عيد البيتزا البيتكوينية"
بدايةً غريبة لقصة تحدٍّ وجرأة. لكن من كان يعلم أن تلك البيتزا البسيطة ستُصبح اليوم بقيمة مليار دولار؟! لم تكن تلك الحكاية مجرد مزحة تاريخية، بل كانت نداءً للعقلاء والمؤثرين: المستقبل لا يُبنى إلا بالمجازفة، والثورة تبدأ دائمًا بخطوة واحدة في الظلام.
في أكتوبر 2008، وبينما كان العالم يغرق في أزمة مالية خانقة، ظهرت ورقة بحثية ثورية ستغير مسار المعاملات المالية مرة واحدة والى الأبد .. بتوقيع "ساتوشي ناكاموتو" - شخصية لا يزال هويتها الحقيقية مجهولة حتى اليوم.
كانت الورقة تصف نظاماً مالياً جديداً يعمل دون وسطاء أو بنوك مركزية، نظاماً يعيد السلطة المالية للأفراد.. بعيدا عن هيمنة قلة من الذين يتحكمون فى اقتصاد العالم من خلف الأسوار.
لم تكن عملات البيتكوين في بدايتها سوى حلمٍ يداعب عقول المبرمجين ، الذين رأوا في التشفير أملًا لعالم خالٍ من الوسطاء. كانوا كالزراعات التي تُغرز في تربة جافة، تنتظر مطر القبول والانتشار.
يقول بيتر دروكر: "أفضل طريقة لتوقع المستقبل هي أن تصنعه" وهكذا فعل الرواد الأوائل، الذين دفعوا بساعاتهم الطويلة في تعدين العملة على أجهزة كمبيوترهم، أو تبادلها مقابل أشياء عجيبة، كأنها لعبة خفية مع الزمن ولكن المخاطرة كانت عالية ... وكما قال الشاعر : يفوز باللذات كل مغامر ويقعد بالحسرات من يتردد.
ماذا لو أصبح شراء قهوتك الصباحية بعملة الإيثريوم مألوفًا كما هو الحال بالدولار؟ أو حتى تحويل الأموال لأهلك فى دولة أخرى عبر سولانا بلا رسوم؟ قد يبدو هذا مستقبلًا بعيد المنال، لكنه قد يكون واقعنا في 2035..تخيّل عالمًا لا تُميّز فيه الحدود بين الدول، حيث يُرسل العامل في الخليج ماله إلى أهله في الهند دون رسوم أو تأخير، ويتلقى الفريلانسر أجره بمنتهى السلاسة والسهولة. بفضل العملات الرقمية هذا ليس خيالًا علميًّا، بل إمكانية تنبض بها اليوم حياة 1.4 مليار شخص محرومين من البنوك التقليدية.
أصبح معروفا بين الناس الان أن البيتكوين هو الذهب الرقمى
بسبب ندرته ؟ ربما ..
بسبب جودته ؟ ممكن ..
ولكن الأكيد أنه بسبب ثورية فكرته التى كانت تطمح للقضاء على هيمنة وسطاء الأموال على الاقتصاد العالمى والتلاعب به .
ولكي يصبح البيتكوين وسيلة إنفاق لا مجرد مخزن قيمة، يجب أن يمرَّ بثلاثة اختبارات قاسية:
1. **التوسيع**: معالجة المعاملات بسرعة وتكلفة منخفضة، مثل شبكة لايتينينغ التي تُعدُّ خطوة أولى واعدة.
2. **الاستقرار**: تقليل التقلبات الهائلة التي تجعله أشبه بسهم مُضارب منه بنقود. فكما تشير الدراسات، تقلبات البيتكوين تفوق نظيرتها في العملات الرئيسية بعشرة أضعاف!
3. **القبول**: أن تُصدق الحكومات والبنوك والتجار على حدٍ سواء أن هذا النظام ليس تهديدًا، بل فرصة... او تضطر تحت ضغط انتشاره بين الناس إلى تبنيه راغمة.
ويقول الاقتصادي فريدمان نفسه: "النقود أداة، وإذا لم تُستخدم في الحياة اليومية، تتحول إلى مجرد تذكار" والبيتكوين اليوم على مفترق طرق: إما أن يصير "ذهبًا رقميًّا" يُخزَّن، أو "نقودًا حية" تُحرك الاقتصاد.
لذا، في عيد البيتزا البيتكوينية، لا تضحك فقط على سخافة الرقم، بل ارفع قبعتك لشجاعة لاسزلو الذي قال عام 2020: *"لم أكن أعتقد أن البيتكوين سيُصبح شيئًا، لكنني أردت أن يعمل"*، واليوم، يعمل بالفعل.