مع إعلان إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن تعريفات جمركية جديدة على السلع المستوردة من العديد من الدول، كان لقراره تأثير كبير على أسواق العملات الرقمية، مثل البيتكوين. في 2 أبريل 2025، أعلن ترامب عن مجموعة من التعريفات التي طالت العديد من الدول، بما في ذلك الصين وكندا والمكسيك، والتي أُطلق عليها "يوم التحرير". هذا القرار لم يؤثر فقط على الأسواق التقليدية مثل الأسهم، بل كان له تأثير ملحوظ أيضًا على سوق العملات الرقمية.
حيث تراجعت أسعار البيتكوين بنسبة 4% في اليوم التالي، مع خسارة سوق العملات الرقمية نحو 180 مليون دولار، وهو ما يعادل انخفاضًا بنسبة 6% في إجمالي قيمتها إلى 2.75 تريليون دولار.
تأثير التعريفات على صناعة العملات الرقمية
التعريفات الجمركية التي فرضها ترامب لها تداعيات كبيرة على العديد من جوانب سوق العملات الرقمية. من أبرز هذه التأثيرات، تأثيرها على عمليات التعدين وتطوير تقنيات البلوكتشين، بالإضافة إلى توافر السيولة في السوق. فالتعريفات الجمركية قد تؤدي إلى تعطيل عمليات التعدين في بعض الدول التي تعتمد على المعادن الخام المستوردة أو الأجهزة الإلكترونية التي تأثرت بهذه التعريفات. من المتوقع أيضًا أن تؤثر هذه الإجراءات في تطوير تقنيات البلوكتشين في بعض الأسواق التي كانت تتعاون مع الدول المستهدفة.
تأثير التعريفات على الدولار الأمريكي والبيتكوين
الحديث عن تأثير التعريفات الجمركية يشير أيضًا إلى التغيرات المحتملة في مكانة الدولار الأمريكي في الأسواق العالمية. فرض التعريفات الجمركية قد يضعف الهيمنة العالمية للدولار الأمريكي، مما قد يفتح المجال أمام البيتكوين كبديل محتمل للعملات التقليدية.
العديد من الخبراء، مثل أوميد مالكان، أستاذ مساعد في كلية كولومبيا للأعمال، يعتقدون أن البيتكوين قد يثبت نفسه كـ "الذهب الرقمي" في الأسواق التي تشهد تقلبات اقتصادية. قد يسعى المستثمرون إلى البيتكوين كملاذ آمن بدلاً من الدولار الذي قد يتعرض لضغوطات نتيجة التعريفات.
في نفس السياق، يرى زاك باندل، رئيس قسم الأبحاث في شركة جرايسكيل، أن التعريفات الجمركية ستساهم في إضعاف دور الدولار الأمريكي، مما يفتح المجال لفرص جديدة للأصول غير السيادية مثل البيتكوين. يعتقد باندل أن هذه التعريفات قد تسرع في تحويل البيتكوين إلى أداة مالية عالمية معترف بها، حيث تتزايد الاستثمارات المؤسسية فيه بشكل تدريجي.
التحديات الاقتصادية في الأجل القصير
بينما يرى بعض الخبراء أن البيتكوين سيستفيد من هذه التعريفات في المستقبل البعيد، إلا أن الواقع على الأرض يشير إلى أن الأسواق ستواجه تحديات في الأجل القصير. العديد من المحللين يرون أن "المشاعر السلبية" (Risk-Off Sentiment) تسيطر على السوق، مما يدفع التجار والمستثمرين إلى الابتعاد عن الأصول المتقلبة مثل العملات الرقمية والأسهم التقنية. يوضح ذلك التراجع الذي شهدته أسواق الأسهم، حيث انخفض مؤشر ناسداك 100 بنسبة 3.7% في 24 ساعة، وهو ما يبرز القلق العام من تأثير التعريفات الجمركية على الاستثمارات عالية المخاطر.
ماتيوس كارا، الرئيس التنفيذي لمنصة "Ari10" للدفع بالعملات الرقمية، يعتقد أن المستثمرين يجب أن يتقبلوا أن "اليقين قد تحقق الآن" بعد إعلان ترامب عن التعريفات. ويضيف أن الخطر الأكبر كان في عدم اليقين حول السياسات المستقبلية، بينما الآن يمكن للمستثمرين اتخاذ قرارات بناءً على الحقائق الجديدة.
مع ذلك، يتوقع البعض أن يلجأ المستثمرون إلى الأصول الأكثر أمانًا مثل السندات الأمريكية واحتياطيات الدولار في الفترة القادمة.
التأثيرات المستقبلية على السيولة
من ناحية أخرى، يعتقد بعض المحللين أن السوق سيواجه مزيدًا من المشاكل في المستقبل إذا استمر الاتجاه الحالي في تقليص السيولة. وفقًا للخبير آرثر هايز، مؤسس شركة "BitMEX" والمدير التنفيذي لشركة "Maelstrom"، فإن التعريفات الجمركية قد تؤدي إلى تقليل صادرات الدولار، وهو ما قد يؤثر سلبًا على قدرة الأجانب على شراء السندات الأمريكية. هذا في النهاية سيؤدي إلى اضطرار الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي لتقديم المزيد من الدعم في شكل تيسير كمي، وهو ما قد يعزز من قيمة البيتكوين في الأسواق.
كيف ستؤثر سياسات الاحتياطي الفيدرالي على البيتكوين؟
العديد من المحللين يتوقعون أن يتخذ الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي خطوات لتخفيف السياسة النقدية في الأشهر القادمة، مما قد يكون له تأثير إيجابي على البيتكوين.
وفقًا للتوقعات الصادرة عن بنك UBS السويسري، من المتوقع أن يقوم الفيدرالي الأمريكي بخفض أسعار الفائدة بنحو 75 إلى 100 نقطة أساس في النصف الثاني من 2025.
مثل هذه التخفيضات في أسعار الفائدة تشير إلى تخفيف السياسة النقدية، وهو ما يجعل الأصول مثل البيتكوين أكثر جاذبية للمستثمرين.
التوقعات المستقبلية للبيتكوين
بينما تبقى الأسواق في حالة من التوتر في الأجل القصير، فإن هناك تفاؤلًا كبيرًا بشأن البيتكوين على المدى البعيد.
يتوقع العديد من المحللين أن يتجاوز البيتكوين مقاومات كبيرة مثل 87,000 دولار و92,000 دولار، ويصل إلى مستويات أعلى.
في الواقع، هناك من يعتقد أن البيتكوين قد يصل إلى 150,000 دولار في المستقبل القريب إذا استمر الطلب عليه من قبل المستثمرين المؤسسيين.
الخلاصة
رغم أن التعريفات الجمركية التي فرضها ترامب قد تسببت في تقلبات في أسواق العملات الرقمية على المدى القصير، إلا أن هناك تفاؤلًا قويًا بشأن إمكانيات البيتكوين على المدى البعيد. مع تزايد الضغوط على الدولار الأمريكي واحتمالية تحوّله إلى عملة أقل استقرارًا في المستقبل، قد يكون البيتكوين هو البديل الرقمي الذي يبحث عنه المستثمرون.
مع استمرار تأثير السياسات الاقتصادية على الأسواق العالمية، قد يواصل البيتكوين صعوده، ويثبت نفسه كأصل موثوق في عالم المال.