
عادت مسألة احتياطي الذهب الألماني إلى صدارة النقاش بعد تجدد الحديث عن إعادة 1,200-1,300 طن مخزَّنة في بنك الاحتياطي الفدرالي بنيويورك — نحو ثلث إجمالي احتياطي برلين البالغ 3,352 طنًّا، ثاني أكبر مخزون رسمي في العالم. هذه الأصول وُزِّعت تاريخيًّا بين نيويورك ولندن وباريس كإجراء أمني منذ الحرب الباردة، قبل أن تستعيد ألمانيا 674 طنًّا في الفترة 2013-2017 لضمان بقاء أكثر من نصف الذهب على أرضها.
اليوم، دفع احتمال عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض سياسيين بارزين إلى التحذير من استخدام الذهب كسلاح ضغط في أي خلافات عابرة للأطلسي. ما كان نقاشًا هامشيًّا أصبح موضوعًا إعلاميًّا يوميًّا، تحت عنوان: هل تبقى برلين «خاضعة» في قبو مانهاتن؟
البوندسبنك يصرّ على ثقته في الاحتياطي الفدرالي ويذكّر بأن تنويع مواقع التخزين يسهّل الوصول إلى أسواق الدولار عند الأزمات. لكن مجرّد طرح فكرة «عدم موثوقية الحليف» يَسمُم أساس النظام القائم على الثقة: إذا تشكّكت كبرى اقتصادات اليورو، فما الذي يمنع الآخرين من إعادة تقييم علاقاتهم مع الدولار؟
الأثر المحتمل يتجاوز الذهب. أي موجة جماعية لسحب الاحتياطيات قد تُفضي إلى تحوّل هيكلي في الطلب على أدوات الخزانة الأميركية، وتُسرِّع مسار «التمويل المتعدد الأقطاب» الذي تتقدمه بكين وموسكو بالفعل عبر اليوان والذهب. هنا يبرز «البتكوين» كخيار احتياطي غير قابل للمصادرة؛ أصلٌ بلا حدود جغرافية ولا وصاية مصرفية، وينجو من الابتزاز السياسي، وإن ظل عالي التقلب ومحاصرًا تنظيمياً في بعض الولايات القضائية.
إذا انتقلت عدوى الشك إلى بقية حلفاء واشنطن ناهيك عن خصومها فقد نشهد سباقًا مزدوج المسار: إعادة مادية للذهب من نيويورك، واعتمادًا انتقائيًّا لذهبٍ رقمي يَصعب تجميده. ساعتها لن تكون هيمنة الدولار مهدَّدة وحسب؛ بل سيُختَبَر تعريف «الاحتياطي السيادي» ذاته لأول مرة منذ 1944.
إن كانت الدول تبحث عن أصلٍ لا يُصادَر ولا يُشوَّه سياسياً، فهل يصبح البتكوين — بكل تقلبه — الخيار الحتمي، أم يُعيد العالم اختراع نظام احتياطي جديد كليًّا؟