وهل يمكن التلاعب بالشبكة؟

منذ ظهوره الأول، أثار البيتكوين جدلًا واسعًا بين المؤسسات المالية، والخبراء، والإعلام، وحتى الأكاديميين. عُومل في بدايته بشك وسخرية ورفض، واعتُبر ظاهرة عابرة لا مستقبل لها.

لكن، ومع مرور الزمن، بدأت المعادلة تنقلب. البيتكوين يثبت نفسه، والمقاومون له يبدأون بالتراجع واحدًا تلو الآخر. السؤال لم يعد: "هل سينجح البيتكوين؟" بل أصبح: "من سيستسلم له أولاً؟"

أول المستسلمين: أصحاب المال

رجال المال وأصحاب رأس المال هم أول من يغيرون مواقفهم، ليس حبًا في البيتكوين، بل لأنهم أهل الأرقام والنتائج. إذا ظهرت فرصة للربح، يتراجعون عن مواقفهم بسرعة.

رأينا ذلك مع لاري فينك، رئيس أكبر شركة استثمار في العالم، الذي انتقل من معارض شرس للعملة الرقمية، إلى أحد أكثر المتحمسين لها. بالنسبة له، لا مكان للمكابرة، بل للأرباح فقط.

الصحافة المالية... خطوة وراء رأس المال

بعد المستثمرين، يأتي الصحفيون الماليون، الذين يُعرف عنهم الدقة والحرص. فهم لا يمكنهم الاستمرار في مهاجمة شيء يحقق نجاحًا مستمرًا عامًا بعد عام. سيبدأون بالاعتراف المتدرج، ثم الحيادية، ثم الترويج الضمني، خاصة عندما تتغير مواقف كبار المستثمرين والمؤسسات المالية.

الإعلام العام... صوت الجمهور

الإعلام العام لا يتبع الحقائق، بل يردد ما يريد الجمهور سماعه.

حين تصبح رواية “البيتكوين خطر” غير قابلة للتصديق، سيضطر الإعلام إلى تغيير نبرته، والحديث عن “مزايا البيتكوين” و“قصص النجاح” كما فعل مع الكثير من الابتكارات التي قاومها سابقًا، ثم تبناها لاحقًا.

آخر المعترفين: الأكاديميون

أكثر من يتمسكون بمواقفهم هم الأكاديميون، فالمشكلة لديهم ليست في خطأ أو صواب الفكرة، بل في صدامها مع معتقداتهم الراسخة. سيواصلون رفضهم طويلًا، حتى بعد أن يعترف بها الجميع. فهم يؤمنون أن الاعتراف يعني التخلي عن إطار فكري كامل، وهو أمر يصعب عليهم تقبّله.

لكن... هل يمكن التلاعب بالبيتكوين؟

رغم صعود “الحتان” الكبار وشراء كميات ضخمة من البيتكوين، إلا أن تصميم هذه العملة يمنع السيطرة عليها. البيتكوين نظام لامركزي، يعمل وفق آلية إثبات العمل، ويعتمد على شبكة عالمية من مشغلي العقد. لا أحد يملك القدرة على تعديل القواعد منفردًا، ولا يوجد “رئيس” للعملة.

حتى كبار المستثمرين، يخضعون لنفس القواعد التي يخضع لها المستخدم العادي. لا يمكن لأي جهة احتكار العرض أو فرض تغييرات على البروتوكول، لأن كل شيء يُدار عبر إجماع لا مركزي، مدعوم بعقود ذكية ومجتمع منفتح.

شبكة لا يمكن خداعها

سواء حاول البعض التلاعب بالسعر أو التأثير على سلوك الشبكة، فإن سجلات البيتكوين لا تُمحى، ولا يمكن تجاوزها.

الشفافية المطلقة تمنع الاحتيال، وتجعل لكل عملية أثرًا دائمًا، ما يمنح النظام قوة استثنائية في مقاومة الفساد والتلاعب.

القوة الحقيقية: لامركزية المشاركة

قوة البيتكوين لا تأتي من شخصية قيادية أو جهة مركزية، بل من قدرة أي شخص على المشاركة، والتحقق، والتشغيل، وتخزين الأصول بنفسه. إنها عملة تعيد تعريف الثقة، ليس في الأشخاص، بل في الشيفرة المفتوحة والقواعد الشفافة.

خلاصة:

البيتكوين ليس مجرد عملة رقمية، بل ثورة فكرية واقتصادية.

يسير بخطى ثابتة نحو التبني العالمي، ولا ينتظر اعتراف أحد.

سواء كنت من أوائل المتبنين، أو من آخر المستسلمين، فإن السؤال الحقيقي اليوم لم يعد

هل سيصمد البيتكوين؟

بل "هل أنت مستعد للصمود أمامه؟".